فصل: قضية فلسطين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخيرًا وافق بنو إسرائيل على قيادة طالوت لهم، فسار بهم إلى عدوهم، وفى الطريق أراد أن يختبر المجاهدين، فقال لهم: {إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة:249]، والعجب أن هؤلاء المجاهدين اليهود لم يكن لديهم قدر من الإيمان والعزيمة يكفى لعبور هذا النهر بغير شرب: {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمْ} [البقرة:249]، وهذا القليل الذي لم يشرب لم يتمالك نفسه من الخوف والرعب بمجرد أن رأى العدو! فصاح أكثرهم: {لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} [البقرة:249]!! وجالوت هو قائد قوات العدو، وبقيت فئة أقل من القليل تنادى على هؤلاء الذين هزمتهم نفوسهم قبل أن يهزمهم عدوهم: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249]، وقبل القتال بدأت المبارزة، فكانت نتيجتها: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوت} [البقرة:251] وداود أحد المقاتلين من بنى إسرائيل، وشاء الله وقدر لحكمة بالغة يعلمها أن تقوم مملكة بنى إسرائيل، في عهد سليمان عليه السلام استجابة لدعائه: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [ص:35].
فآتاه الله سلطانا وملكا عظيما امتد بين المشارق والمغارب، ومضت فترة من الزمن بعد عهد سليمان عليه السلام وعاد اليهود إلى سيرتهم الأولى، فقتلوا الأنبياء! وأمروا بالمنكر! ونهوا عن المعروف! ولم يتركوا إثما إلا اقترفوه، ولا ذنبا إلا فعلوه! فكتب الله عليهم الذل والهوان، وسلط عليهم الروم يسومونهم سوء العذاب، فتشرد اليهود، وهاموا على وجوههم في شتى بقاع الأرض يتقلبون في جحيم الذل، ويذوقون ألوانا من الشقاء والبلاد، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون!! وقد طبع ذلك الضياع في قلوب اليهود حقدا رهيبا وحسدا لكى بنى آدم، ورغبة جامحة في الانتقام من العالم بأسره!! واستعلاء على كل البشر لعله يعوضهم عما ضاع من كرامتهم، ويستر ذل نفوسهم، فقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18]!!.
مع أنهم يعلمون علم اليقين أنه لا يوجد في تاريخهم دليل واحد يشهد لهذه المقولة الكاذبة، فلا هم أبناء، ولا أحباء، ولا شعب مختار؛ بل إن أصدق وصف لهم أنهم يقتسمون مع الشيطان، غايته وهدفه! فالشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، وهذا يعنى أن غايته التي يسعى إليها هي حرمان البشر من الجنة، وغاية اليهود التي يسعون إليها هي حرمان العالم من الأمن والاستقرار ونظر اليهود حولهم فلم يجدوا لهم ملاذًا آمنًا في العالم يلجئون إليه فرارًا من اضطهاد الروم النصارى لهم إلا جزيرة العرب، فهاجروا إلى الجزيرة العربية، حيث لم يكن للروم سلطان عليها، وسكنوا يثرب وخيبر وغيرهما.
وكانت التوارة قد بشرت بظهور نبى جديد يخرج من جبال فاران «إشارة إلى مكة»، وتكون يثرب عاصمة ملكه ودار هجرته؛ فسبق اليهود إليها طمعا في أن يكون هذا النبي من بنى إسرائيل، فينقذهم من ذل النصارى الروم، وبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلم اليهود أنه من العرب، وليس من بنى إسرائيل، فتحرك الحقد في قلوبهم، وثار الحسد في نفوسهم مع أنهم: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ} [البقرة:146]! ونقض اليهود كل العهود والمواثيق، التي أبرموها- كتابة- مع الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتآمروا وغدروا وتحالفوا مع قريش، وكادوا للمسلمين بالدسائس، والمؤامرات- كشأنهم اليوم مع العرب- ولم تنفع معهم جميع محاولات الإصلاح؛ لم يجيبوا داعى الله مع أنهم يعلمون على اليقين أن الإسلام هو دين الحق، ولم يحافظوا على معاهدات السلام وحسن الجوار، بل تنكروا لهم ونقضوها، ولم يعيشوا يوما مع المسلمين في الجزيرة العربية بغير غدر ولا خديعة، ولم يصلح لهم سوى حل واحد فقط: هو الجلاء عن المدينة المنورة، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، والعجيب أن طرد اليهود وجلاءهم كان هو الحل الوحيد المناسب على مر التاريخ مع اختلاف الزمان والمكان!!.
وقد تحدثت كتب السير والتاريخ عما فعله اليهود تفصيلا مع رسولنا صلى الله عليه وسلم، والمتتبع لهذه الأحاديث سوف يرى بوضوح وجلاء أنه لا حل لمشكلة اليهود اليوم إلا بالجلاء!! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قدوتنا وأسوتنا لم يجد حلا لمشكلة اليهود- بعد الصبر والعناء- إلا بإخراجهم من المدينة المنورة! ولم يجد الخلفاء رضى الله عنهم- من بعده- حلا لمشكلة اليهود إلا بإخراجهم من جزيرة العرب!!.
فاليهود داء، والجلاء دواء، والمعاهدات مسكنات!
فلا نامت أعين الجبناء، والله من ورائهم محيط.

.القدس:

روى البخارى في «صحيحه» بسنده إلي أبى هريرة، رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو آمن بى عشرة من اليهود لآمن لى اليهود».
إن هؤلاء اليهود الذين رفضوا الدخول في الايمان وجحدوا الرسالة، وكانوا يقولون- قبل البعثة-: اللهم ابعث لنا هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا في التوراة حتى نعذب المشركين ونقتلهم!!
وقد ثبت أنهم كانوا يتوعدون المشركين من الأوس والخزرج بمجىء الرسول صلى الله عليه وسلم ويستنصرون، اى؛ يطلبون النصر به على أعدائهم، قال تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
وفى هذا دلالة قاطعة، وحجة دامغة على ان اليهود قوم بهت يعرفون الحق، وينكرونه! فإنهم كانوا يعرفون صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث، ولما أرسل الله اليهم من قبل ذلك رسلًا كثيرين من بنى إسرائيل، فكذبوا فريقا، وقتلوا فريقا من الرسل، فلما أرسل الله رسوله الخاتم من العرب كفروا به، لأنه ليس من بنى إسرائيل؟ وهو نفس أسلوب المرواغة الذي يستعملونه في المفاوضات الوهمية مع السلطة الفلسطينية!
وبعد هذا الانكار والبهتان استمر اليهود على كفرهم، وأصروا على ضلالهم، أراد الله عز وجل، وقدر ان كتب الهداية لعالمٍ من علمائهم هو عبد الله بن سلام، رضى الله عنه، وذلك بعد الهجرة النبوية الشريفة.
وكان عالما وسيدا مطاعا في قومه من اليهود قبل علمه وسيادته وفضله ومنزلته، ووصفوه، بدلًا من ذلك، بأقبح الصفات، وأنزلوه إلي أسفل الدرجات.
وروى البخارى في «صحيحه» بسنده إلي أنس بن مالك، رضى الله عنه، قال: (إن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إنى سائلك عن ثلاث لا يعلمهن الا نبى: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلي أبيه أو إلي أمه؟ قال صلى الله عليه وسلم «أخبرنى به جبريل آنفا» قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: «أما أول أشراط الساعة، فنار تحشرهم من المشرق إلي المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد».
قال عبد الله بن سلام: أشهد ان لا اله الا الله وأنك رسول الله، قال: يا رسول الله ان اليهود قوم بهت!! فاسألهم عنى قبل ان يعلموا بإسلامى، فجاءت اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أى رجل عبد الله بن سلام فيكم؟».
قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبى: «أرأيتم ان أسلم عبد الله بن سلام؟» قالوا: أعاذه الله من ذلك، فأعد عليهم فقالوا مثل ذلك، فخرج اليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله الا الله وان محمدا رسول الله، قالوا: شرنا، وابن شرنا!! وتنقصوه!! قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.
إن عبد الله بن سلام، رضى الله عنه، كان عالمًا كبيرًا من علماء اليهود قبل ان يدخل في الإسلام، وقد شهد على قومه اليهود شهادة حق يقول فيها: «إن اليهود قوم بهت» اى، قوم يفترون الكذب ويختلفونه، وهى شهادة تصدق على واقع اليهود اليوم وتطابقه كما كان شأنهم في الماضى، وهو نفس الواقع الذي سيكون عليهغدًا طالما أنهم يهود!!
فليس عجيبًا ولا غريبًا ولا جديدًا أن يتنكر اليهود لحقوق المسلمين في فلسطين أو أن يحالوا تهويد القدس إن استطاعوا، أو أن يغذروا بالمعاهدات والاتفاقيات المبرمة، لكن العجيب ان يتعجب العرب، والغريب ان يستغرب العرب من أفعال اليهود كأنهم لا يعلمون!!
إننا لم ولن نرى من اليهود وفاء بالعهود والمواثيق، أما المتعجبة المستغربة فهى أم رئيس وزراء إسرائيل الحالى التي أعلنت أنها في غاية الحرج والخجل، وهى ترى ابنها يحاول الصلح مع العرب، بينها هي أرضعته لبنا يحرم هذا الصلح كما يحرم الزواج بأخت الرضاع!!
واليوم يبحث جميع المسلمين عن حل ومخرج، وهذا الحل ليس في الهتافات ولا المظاهرات ولا المسيرات، ولا التصريحات، ولا المؤتمرات، ولا اللاءات المتتاليات وغير المتتاليات؟؟
إن الحل يكمن في حقيقتين:
الأولى: كلمات وتوجيهات نطق بها جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز: رحمه الله، وصف فيها الداء والدواء، وذلك عام (1384 هـ) في خطبة الحج، يقول- رحمه الله: لقد مرت على الإسلام والمسلمين حقبب تناسى الناس فيها ما هو مطلوب منهم تجاه ربهم، وتساهلوا فيما يجب عليهم، وتهاونوا وتغافلوا ولهذا فإننا نرى اليوم أن الشعوب الإسلامية في كل الأقطار قد ينظر إليه نظرة احتقار أو ازدراء، وهذا أيها الاخوة ما سببناه لأنفسنا نحن، ولم يرضه الله سبحانه وتعالى لنا، وانما رضى لنا العزة والكرامة والقوة، إذا نحن أخلصنا العبادة، وتمسكنا بما أمرنا الله به سبحانه وتعالى، واتبعنا سبيل نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
وفى حج عام (1390 هـ) خطب الملك فيصل- رحمه الله- في الحجيج خطبة جاء فيها وصف المنهج والدواء إذ يقول: أيها الاخوة، إننا في حاجة قصوى إلي محاسبة أنفسنا، يجب علينا أن نعود إلي أنفسنا، ونحاسبها، لماذا تصبينا النكبات؟؟
ولماذا نتعرض للعدوان من اعداء الإسلام؟ وأعداء البشرية، وأعداء الانسانية؟ علينا أن نحاسب أنفسنا، فلابد أن هناك فينا، وفى أنفسنا ما يستوجب أن نصاب بهذه النكبات، فإننا نرى اليوم في عالمنا الإسلامى من يتنكب عن الايمان، وعن العقيدة الإسلامية.
وأما الحقيقة الثانية: فهى ضرورة رفع راية الجهاد في سبيل الله، إنه الطريق الذي اختاره الله للنصر، والحفاظ على الأرض والعرض، ولقد جربنا كل الحلول فلم تفلح ولم تنجح، وإن الشعوب المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها تتطلع إلي اليوم الذي يعلن فيه حكامها وقادتها عن فتح باب الجهاد في سبيل الله، ويومها فقط سيلتزم اليهود بالعهود والمواثيق والاتفاقات المبرمة التزام قهر وصغار، لا التزام قناعة ووفاء!! ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

.قضية فلسطين:

إن فلسطين دولة اسلامية وبلد عربية، لا يختلف في ذلك عاقلان، ولا يتناطح عليه عنزان، واليهود أول الناس اعترافًا بهذه الحقيقة وأول الناس إنكارا لها لأنهم- كما قلنا- قوم بهت ينكرون ما يعرفون وفى تصريحات أول رئيس وزراء لإسرائيل، وهو بن جوريون دليل ساطع وبرهان قاطع على ما نقوله.